إننا على يقين بأن التغيير الذي حصل للمجتمعات المسلمة لم يأت دفعة واحدة، ولكن حصل تدريجيا شيئا فشيئا حتى أصبح المعروف منكرا والمنكر معروفا في كثير من تلك المجتمعات المسلمة، فإنتشر فيها التبرج والسفور، وتفشى الإختلاط بأقبح صوره، وبشكل تمجه الأنفس الأبية، وهمّشت الشريعة، وحكّمت القوانين، حتى أصبحت بعض المجتمعات المسلمة لا تستطيع أن تميزها عن المجتمعات الكافرة، ونتيجة لذلك إنتشر الإنحلال الديني، والإنحلال الفكري، والإنحلال الأخلاقي، ومن يتأمل التاريخ يلحظ ذلك جليا، وها هو مجتمعنا يعيش هذه الأيام هجمة شرسة لتغيير صبغته، ومحاولات جادة للتشكيك في قيمه ومبادئه، وذلك بالتركيز على المرأة لإبعادها عن المنهج الشرعي، وتغيير فكرها وإهتماماتها، وصرفها عن قيامها لأعظم مهامها في الحياة لعلمهم بأنّ الطريق لهدم الدين ونشر الإنحلال يكون عبر بوابة المرأة، فمتى إبتعدت المرأة عن دينها، وإنشغلت عن مملكتها وتربية أبنائها، وخلعت جلباب حيائها وتساهلت بحجابها وإختلاطها بالرجال كانت النتيجة تفشي الإنحلال بشتى صوره، وهذه حقيقة لا مرية فيها، فالمرأة صمام الأمان بالمجتمع، وأيّ إنحراف لها هو إنحراف للمجتمع، وصدق نبينا صلى الله عليه وسلم بقوله: «إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعلمون فإتقوا الدنيا وإتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء» وقوله صلى الله عليه وسلم: «ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء».
إنّ ما يمر بالمجتمع من جرّاء تلاعب فئة من أفراده بالدين والشرع المطهر، والتلبيس على الناس في مبادئهم وقيمهم حسب أهوائهم وآرائهم البعيدة عن الفهم الصحيح لشرع الله، وتمكينهم من وسائل الإعلام لتمرير أفكارهم الهدامة التي تؤدي لخروج المرأة عن مسارها الطبيعي وإشغالها عن دورها الأساسي بالحياة لهو نذير خطر ينذر بتغييرٍ سيذوق المجتمع ويلاته -إذا لم يتغمدنا الله بلطفه ورحمته- فلقد رأينا من يدعو إلى الإنحلال عن طريق الدين وتحت مظلة وشماعة -حسب الضوابط الشرعية، وعدم المساس بالثوابت الدينية-! فرأينا من يدعو إلى الإختلاط المقنن بحجة التنمية! وإيجاد فرص عمل للمرأة!
ورأينا من يدعو إلى التبرج والسفور بحجة الحرية الشخصية! ورأينا من يصرح بأن الأصل للمرأة أن تكشف عن وجهها لأن المسألة خلافية! حتى بات البعض يعتقد بأن المقصود بحجاب المرأة الإقتصار على ستر بعض من أجزاء جسمها، أما إخراج المرأة لشعرها وإبراز مفاتنها وظهورها بدون عباءة فالأمر يسير!.
بل وصل الأمر بالبعض بأن يبارك للنساء السعوديات لكونهن أصبحن عارضات أزياء! ويبارك لهن مشاركتهن في المحافل الرياضية العالمية!
ورأينا من يدعو إلى ضرورة عمل البنات السعوديات مضيفات على متن الطائرات!
وآخر يطالب بتطبيق البنود الواردة بإتفاقية القضاء على جميع أشكال التميز ضد المرأة -سيداو- المعتمدة من الجمعية العامة للأمم المتحدة لمنح المرأة أهم حقوقها المتمثلة في الدعوة إلى المساواة التامة بين المرأة والرجل في جميع الحقوق!.
وأخرى تطالب بفتح باب الإختلاط على مصراعيه دون قيد أو شرط، مبررة ذلك بأن أخلاق المرأة ملك لها فإن أخطأت أو أصابت فهي مسؤولة عن نفسها!.
ومجموعة من بني جلدتنا تمادت وتجرأت فإرتمت بأحضان الغرب علنا يطالبونهم بالتدخل بشؤون حياتنا، عن طريق إلقاء الكلمات في محافلهم، أو إرسال البيانات لهم!.
إن ما يجري الآن من حملة شرسة ضد المجتمع ما هي إلاّ بدايات للانحلال -والعياذ بالله- يجب أن تكافح كما تمت مكافحة الإرهاب، قبل أن يستفحل الأمر فيحل بنا ما حل بالمجتمعات الأخرى، فكما تم ولله الحمد القضاء على الإرهاب والعنف وزهق الأنفس والأرواح والممتلكات، فلابد من مكافحة الإنحلال والتفسخ والسفور والبعد عن شرع الله والقضاء عليه، لأن الإرهاب والإنحلال وجهان لعملة واحدة، وكلاهما خطر يحدق بالمجتمع والأمة، ويرفضهما الإسلام.
فمن المؤسف أننا لم نجد من يتحدث عن الإنحلال الذي بدأ يضرب أطنابه في المجتمع، ولم نر من يطالب بتجفيف منابعه كما تم تجفيف منابع الإرهاب، فكما أننا نجد الكم الهائل من المقالات والبرامج والمؤتمرات والندوات التي تتحدث عن الإرهاب وضرورة مكافحته -وهذا أمر لا نختلف على ضرورته- بل قد لمسنا نفعه على أرض الواقع ولله الحمد، فكذلك لابد من معاملة الإنحلال بالمثل كي يندحر وتتلاشى خطط المنافقين المتربصين بالمجتمع، إننا بأمس الحاجة إلى المقالات التي تحذر من التبرج والسفور، وإلى الندوات والمؤتمرات التي توضح حقيقة الحجاب الشرعي، وتبيّن خطط الأعداء في نشر الإنحلال والسبل والوسائل لمكافحته، وإلى البرامج الفضائية والإذاعية التي تبين خطر الإنحلال وعواقبه الوخيمة على الدين والمجتمع؟ وإلى الإعلانات التي تحذر الفتيان والفتيات من مغبة الإنجراف خلف ما يعرض عبر الفضائيات من خروج النساء كاسيات عاريات، وإلى قانون يجرم كل من يدعو إلى الإنحلال تلميحا أو تصريحا، قولا أو فعلا كي يسلم المجتمع من موجة الإنحلال التي تؤثر سلبا على أخلاقه وأمنه وإستقراره، ولكي يعلم الناشئة أن التقدم والتطور لا يستلزم التفسخ والسفور والإنحلال.
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله على شرحه لحديث «فاتقوا الدنيا واتقوا النساء» في كتاب شرح رياض الصالحين: ولذلك نجد أعداءنا وأعداء ديننا -أعداء شريعة الله عز وجل- يركزون اليوم علي مسألة النساء، وتبرجهن، وإختلاطهن بالرجال، ومشاركتهن للرجال في الأعمال... إلى أن قال: يوجد عندنا قوم -لا أكثرهم الله ولا أنالهم مقصودهم- يريدون هذا الأمر، ويريدون الفتنة والشر لهذا البلد المسلم المسالم المحافظ، لأنهم يعلمون إن آخر معقل للمسلمين هو هذه البلاد، التي تشمل مقدسات المسلمين، وقبلة المسلمين، ليفسدوها حتى تفسد الأمة الإسلامية كلها، فكل الأمة الإسلامية ينظرون إلى هذه البلاد ماذا تفعل، فإذا إنهدم الحياء والدين في هذه البلاد فسلام عليهم، وسلام علي الدين والحياء، لهذا أقول: يا إخواني يجب علينا شبابا وكهولا وشيوخا وعلماء ومتعلمين أن نعارض هذه الأفكار، وأن نقيم الناس كلهم ضدها، حتى لا تسري فينا سريان النار في الهشيم فتحرقنا، نسأل الله تعالى أن يجعل كيد هؤلاء الذين يدبرون مثل هذه الأمور في نحورهم، وألاّ يبلغهم منالهم، وأن يكبتهم برجال صالحين حتى تخمد فتنتهم، إنه جواد كريم.
الكاتب: محمود بن عبد الله القويحص.
المصدر: موقع المحتسب.